بسم الله الرحمن الرحيم.
قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى: وهكذا كل من فارق جماعة المسلمين وخرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشريعته من أهل الأهواء المضلة والبدع المخالفة، ولهذا قاتل المسلمون أيضا الرافضة الذين هم شر من هؤلاء، وهم الذين يكفرون جماهير المسلمين مثل الخلفاء الثلاثة وغيرهم، ويزعمون أنهم هم المؤمنون ومن سواهم كافر، ويكفرون من يقول إن الله يرى في الآخرة، أو يؤمن بصفات الله وقدرته الكاملة ومشيئته الشاملة، ويكفرون من خالفهم في بدعهم التي هم عليها، فإنهم يمسحون القدمين ولا يمسحون على الخف، ويؤخرون الفطور والصلاة إلى طلوع النجم، ويجمعون بين الصلاتين من غير عذر، ويقنتون في الصلوات الخمس، ويحرمون الفقاع وذبائح أهل الكتاب، وذبائح من خالفهم من المسلمين؛ لأنهم عندهم كفار.
ويقولون على الصحابة رضي الله عنهم أقوالا عظيمة لا حاجة إلى ذكرها هنا إلى أشياء أخر، فقاتلهم المسلمون بأمر الله ورسوله، فإذا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه الراشدين قد انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة حتى أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقتالهم فيعلم أن المنتسب إلى الإسلام أو السنة في هذه الأزمان قد يمرق أيضا من الإسلام والسنة حتى يدعي السنة من ليس من أهلها.
بل قد مرق منها وذلك بأسباب: منها الغلو الذي ذمه الله تعالى في كتابه؛ حيث قال: يَا أَهْل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا
وقال تعالى:
يَا أَهْل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين
وهو حديث صحيح.
ومنها التفرق والاختلاف الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز، ومنها أحاديث تروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي كذب عليه باتفاق أهل المعرفة يسمعها الجاهل بالحديث فيصدق بها؛ لموافقة ظنه وهواه، وأضل الضلال اتباع الظن والهوى كما قال الله تعالى في حق من ذمهم: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى
وقال في حق نبيه صلى الله عليه وآله وسلم:
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى
فنزهه عن الضلال والغواية اللذين هما الجهل والظلم فالضال هو الذي لا يعلم الحق والغاوي هو الذي يتبع هواه، وأخبر أنه ما ينطق عن هوى النفس، بل هو وحي أوحاه الله إليه، فوصفه بالعلم ونزهه عن الهوى.
وأنا أذكر جوامع من أصول الباطل التي ابتدعها طوائف ممن ينتسب إلى السنة وقد مرق منها، وصار من أكابر الظالمين وهي فصول. الفصل الأول....